كأس الأمم في مدينة الرسول

د. أحمد عبد المنعم عربود
المدينة المنورة
الرسول في طريقة لإحدى الغزوات
الجيش يتأهب للرحيل
اكتمل الركب
يمضى في طريقه
شاب وشيخ وطفل وامرأة
كل قد عرف مهمته
الرسول يتحرك ومن خلفه ومن حوله الصحابة الكرام
على مقربة مر الركب بجوار حلقة كبيرة من شباب المدينة
تجمعوا بحماس يتابعون ويشجعون مباراة لكرة القدم
مضى الرسول بجيشه بمحاذاتهم
واستمرت المباراة
لم يلتفت أحد منهم للجيش المار بجواره
تابعوا المباراة
تجاوزهم الرسول
يلعبون
يصفقون
أصواتهم تتعالى بالتشجيع

الرسول وصحبه اختفوا عن الأنظار
غطتهم على البعد سحابة من الغبار
شباب المدينة في حماسهم يتابعون المباراة في انسجام

مؤخرة الجيش بالكاد تظهر عند الأفق
غابت الشمس
اختفى الركب
عاد الشباب فرحين بنشوة الانتصار
الانتصار في مباراة لكرة القدم
الرسول وصحبه فى طريقهم الى ساحة الجهاد

مار أيكم يا شباب في ذلك المشهد؟
لا تصدقون ؟؟
لماذا تستنكرون حدوث ذلك؟
طبعا أنتم محقون
إن مثل هذا المشهد لم يكن ليحدث
ولسنا في حاجة إلى تفسير أو تعليل
أقول هذا بعد أن تلقيت تهنئة ممن حولي بفوز الفريق المصري بكأس الأمم الأفريقية
والله كم أتمنى أن افرح
كم أتمنى أن يفرح الناس معي
أن يجدوا ما يبهجهم..في خضم جبال الأحزان والغصة والآلام
حقيقة أتمنى أن أضحك من قلبي
وأن يضحك كل من حولي بعد طول ما أدمنا على الأحزان
ولكن كيف...
غزة
العراق
أفغانستان
الصومال
البلقان
و...
و....
و.....
في كل مكان
دم المسلم أرخص من كل دماء
جوعي
قتلى
مشردين
منتهكي الكرامة و الأعراض
أنا لا أحب الخطابة ولا الإسهاب

مازال الرسول يمضى في طريقه
ومازلت أتلقى التهاني بفوز الفريق المصري بالنصر العظيم
وأتابع وصول الفريق المصري إلى أرض الوطن
كان الرئيس في الاستقبال
تعود بى الذكرى التي لن تموت
مشهد من آلاف مشاهد المآسي في كل مكان
أصوات الغرقى بالمئات في عبارة السلام
مازال الجرح لم يندمل وما زال يثغب في النفوس الدماء
لم يذهب الرئيس
نعم لم يذهب الرئيس لمواساة أهليهم مع فداحة المصاب
هل تذكرون مأساة المركب الغارقة
سأذكركم بمشهد واحد فقط في تلك المأساة
لعله يعيد إلى الجسد المتهالك الحياة
مشهد واحد فقط يختزل كل مشاهد المأساة

في ظلمة الليل
والمركب تميل
والصراخ يتعالى والعويل
والبرد القارص
والأمواج المتلاطمة
وهول الموقف
في مشهد من مشاهد القيامة

مازلت أذكر ذلك الرجل الذي أشرف على الغرق هو وأسرته ولم يجد إلا طوق نجاة واحدة
غرقت زوجته
الطوق لا يحمل إلا شخصا
أدخل ابنه ابن السادسة داخل طوق النجاة
وألقي به في الماء ولم ينس وهو يلقيه أن يحمله أمانة
أمانة ثقيلة
وضع في أحضانه
أخته الصغيرة ابنة السنتين
وقال له : أنت رجل يا أحمد... خلى بالك من أختك
تخيلوا طفل في السادسة
في طوق نجاة
في مشهد من مشاهد يوم القيامة
يضم إلى صدره أخته ذات السنتين
يجب إن يحافظ عليها
من أي شيء؟
من الموت
واشتد الهول
أنت رجل يا أحمد..خلى بالك من أختك

واشتد الظلام
وتلاطمت الأموات
وزاد الهول
وبدأ صراع الموت مع الموت
وغرق الرجل وغيبته الأمواج
وخطف الموت فلذة كبده الصغيرة من أحضان ابنه ( الرجل)
وبقى الطفل ( الرجل )
بقى على قيد الحياة
حكمة القدر
لكي يروى لنا الحكاية
ومعها يروى ظلم وجشع وحقارة المتاجرين بأرواح البشر

وعلى الشاطئ
بعد النجاة

لم يكن هناك الرئيس
لم ينتظره الرئيس
مثل ما انتظر فريق كرة القدم
غاب الرئيس..
ولم يكن هناك
من يواسيه
ولا يؤويه
ولا من يضمه
يحنو عليه يدفئه
ويحميه......

مازلت أتلقى التهاني بفوز الفريق المصري بكأس الأمم الأفريقية
ومازال الرسول وصحبه يمضى سيرا على الأقدام في طريقه إلى أرض المعركة

الشباب في الشوارع يرقصون ابتهاجا بالنصر
الفتيات رسموا على وجوههم بالأصباغ أعلام النصر
وقد دخلوا كل جحر لضب نتن...
طفل فلسطيني مزقته رصاصات يهودي غادر بلا قلب
كان يلهو مع صحابه وما كان يظن أن البراءة يمكن أن تقتل بلا ذنب
أمه المسكينة تولول تستنجد
بأهل الأرض
بالمسلمين
بالعرب
بأهل الشرق
بالغرب
(ومازال الرقص والطبل والزمر يتتابع احتفالا بنشوة النصر بكأس الأمم)
ويأتيها الرد
بوش
من بيته الأبيض
في حلقه من مسلسله من نوع الكوميديا السوداء
عن الديمقراطية الدين الجديد الذي سيحكم به أهل الأرض غير دين السماء
يأتيها الرد سريعا
أنه سيدعم إسرائيل...للنهاية
و من حقها الرد على الإرهاب
أضحك من سوء الإخراج والأداء في تلك المسرحية البلهاء
أن يصير الأطفال الأبرياء
عند بوش
من زمرة الإرهاب!!!

آه كم أتمنى أن أفرح
أن أضحك
أن يفرح معي كل الناس
أن أفرح بالانتصار...

وصل الرسول وصحبه إلى أرض المعركة

و مازالوا يرقصون في الشوارع والطرقات
فرحين بكأس الأمم الأفريقية
توقف عن الرقص قليلا وسألني:

ألست مصريا ؟؟
مصري حتى النخاع
إذن لماذا لا تفرح للانتصار
أفرح بماذا؟؟
.......
إن لي قضية ..أنا لا أساق كالحملان مع البلهاء

دعوني أتابع الركب هناك
ركب الحبيب وصحبه الأطهار

أنا ممزق الجسد
منتهك الكرامة
عار
جائع
مهلهل الثياب
غريب وان كنت في وطني أعيش
هل تراني في حاجة إلى نوع من العطر يفوح شذاه؟
أم تراني في أمس الحاجة إلى لقمة خبز أو ثوب يسترني أو ضمادة لجروحي وآلامي؟؟

حين تعود لي كرامتي
وأعود في وطني من غربتي
ويشبع الأطفال والنساء وسائر اخوتى

وتصير أفضل الأمم هي أمتي
ولم تنبطح ولم تذل لظالم
فعندها
تعال نفرح ونبتهج وسأفرح معك
وسأحتفل بالنصر
وبالكأس
حتى ولو كان
كأس الأمم
لأننا ساعتها سنصير أمة من خير الأمم

ولأنك عرفت الآن حزني العميق
لا أفرح بكأسك كأس الأمم
تعال معي
نتابع ركب الحبيب
وصحبه هناك في غزوه
حتى يعود الحبيب
ولا نقف أمامه من المخلفين بغير أعذار أو حجج
ماذا تجيب الرسول الكريم
أنقول له لعبنا الكرة ولم نذهب معك؟
غزوت وجاهدت من أجلنا ولم ننصرك؟
رفعت لواء الدين والإسلام
ونحن أيضا رفعنا العلم.
علم البطولة في دورات كرة القدم ؟؟
قتل الصحابة من أجلنا
قبلت الشهيد منهم وأنت تواريه الثرى

ونحن أيضا قتلنا في النفوس الرجولة والبطولة
وتركنا الجهاد وتابعنا الخنا
وحملنا الكؤوس فوق الرؤوس وقبلنا بالأفواه كأس الأمم

كأس الأمم في مدينة الرسول 6774813181997eb8

راااااااااااااااااااائع

اللهم صلي على رسولنا الهادي