زرباع .........

في زمن المجتمع الرديء

تزعم إمبراطورية المخدرات في مدينتنا

كما تربع على كل ممالك الشر..

ناهز الستين

تستطيع أن تقرأ على وجهه آثار شقاوته وماضيه مما علاه من ندب وجروح.

بقية من عظام ذراعه المبتور في حادث قطار يبرز من تحت ثوبه كالوتد إذا لكز به خصمه فلابد أن يسقط صريعا بعد أن يخترق صدره وينفذ إلى أحشائه..!!

على شاكلته كانت رفيقة دربه

زعيمة عصابة تفننت في كل أنواع السطو والسرقة

وجاءت الذرية

لتطال أيديهم كل شبر في ارض المدينة..

حين يعلم زر باع بوصول لجنة تفتيش على مستوى عال سرعان ما يختفي ريثما تهدأ الأمور وتغادر اللجنة فيعاود مزاولة نشاطه .

ولكي يكون بعيدا عن الشبهات فان ملجأه الأمين هو مستشفى المدينة

وما أيسر أن يفعل هذا فلا أحد يقدر على منعه

وبذلك يكون بعيدا عن أعين الرقباء

وما أيسران يدير مملكته من داخل غرفته بالمستشفى.

لا تسل عن سعادة العاملين بالمستشفى بوجود زر باع وذلك لما يغدقه عليهم من عطايا وهبات

فلا عجب أن يسارع الجميع لخدمته اما طمعا فى عطائه أو خوفا من سطوته ونقمته

إذن ليس في البلدة كلها من لايعرف زر باعا..





أثناء المرور الصباحي

كان معنا الدكتور محفوظ الذي يقطن مدينة الإسكندرية

اقتربنا من غرفة زر باع

كانت معبقة بدخان السجائر

استشاط الدكتور محفوظ غضبا

انطلق ساخطا لاعنا متوعدا نواب القسم بالجزاء نتيجة إهمالهم

بجوار سرير زر باع زاد هياج الدكتور محفوظ وهو يرى زر باعا يتكئ على جانبه ويبالغ في سحب نفس عميق من سيجارته المستقرة على جانب فمه لينفث دخانها ذيلا طويلا يطال وجه الدكتور محفوظ ..!!!

أحس الدكتور محفوظ بالإهانة و أن في الأمر شيئا غير عادى

قبل أن تثور ثائرته ويقع في المحظور أخذناه بعيدا خارج الغرفة..

ألمحنا إليه بهدوء أن من كنت تحدثه هو زر باعا..

ـ ومن يكون زرباع هذا ؟

اقترب منه زميلى هامسا ).................................. (يرجوه أن يخفض صوته :

صمت ..

تغيرت أساريره .

توقف برهة

استدار

انطلق ونحن نتبعه

حتى إذا وصل إلى سرير زر باع ابتدره مصافحا بحفاوة زائدة وقد رسم على وجهه ابتسامة مصطنعة :

ـ يا شيخ .. مش تقول انك المعلم زر باع ؟!!

نظر إليه زر باع نظرة فاحصة كلها معنى



ممتعضا كتم غيظه

وقد قبل اعتذاره

ومن وقتها صارت بينهما صداقة.







نهاية عطلة الأسبوع

تزاحم الناس في ميدان المحطة

ننشد سيارة تقلنا إلى الإسكندرية

لا توجد سيارات ، وكل سيارة تأتى يندفع نحوها العشرات ولا يفوز بالركوب إلا سبعة من ذوى القوة والعضلات .!!

في كل مرة أندفع أنا وزميلي الدكتور محفوظ محاولين الظفر بركوب سيارة دون جدوى .

فجأة..

ظهر زر باع ...

صافحه صاحبي مرحبا

ـ أين وجهتك يا دكتور ؟

إلى الإسكندرية

فهم زر باع.

لم يعلق ..

الزحام شديد والناس يتدافعون نحو كل سيارة تظهر من بعيد.



سيارة محملة بالركاب على وشك الانطلاق

أشار زر باع للسائق

في التو أوقف السائق سيارته بجوار زرباع

اتجه زرباع صوب الراكب الجالس عن يمين السائق

رجل وقور فى حلة أنيقة ورباط عنق

فتح باب السيارة ..

مد يده لتقبض على عنق الرجل بقوة

جذبه

ألقى به خارجها بعنف !!

قبل أن يفيق الرجل من صدمته ودهشته وقد تبعثرت على الأرض وأمام الخلق كرامته كان صوت زر باع يطغى على كل صوت :

ـ تفضل يا دكتور...( مشيرا إلى الدكتور محفوظ )

اندفع صاحبي يلبى الأمر الصادر له ـ مضطرا ـ دون تعقيب .!!

أغلق زر باع باب السيارة

اتجه ناحية السائق

هم السائق بالنزول خوفا منه وتملقا

استوقفه وأشار اليه بايماءة من رأسه .

فهم السائق :

ـ تؤمر يا معلم

انطلقت السيارة وحمدت الله أنى لم أركب معه

مكثت قرابة الساعة حتى فرج الله ما نحن فيه وحملتنا سيارة أخرى إلى الإسكندرية.





حين التقيت زميلنا محفوظ في اليوم التالي سألته:

ـ كيف كانت رحلتك؟

ـ لقد أصر السائق على أن يوصلني إلى بيتي ورفض أخذ الأجرة هكذا أمره زرباع..وعندما حاولت إقناعه بالعدول عن ذلك رد بإصرار وقد انتابه الخوف:

ـ اعمل معروف لا تخرب بيتي دى أوامر المعلم زر باع.. لو علم أنني لم أوصلك إلى بيتك. أو أنني أخذت منك الأجرة لكانت نهايتى...ثم أردف :

ـ هو سعادتك ما تعرفش المعلم زر باع ولا إيه؟؟





حين أتذكر هذه القصة بتفاصيلها المثيرة أتمنى لو تغير السيناريو..

أقول في نفسي :

ماذا كان يحدث لو أن الدكتور محفوظ لم يتخل عن مبدئه وتعامل مع زر باع كما يتعامل مع بقية المرضى دون خوف أو مداهنة ؟



لاشك أنه قد يتعرض للأذى

ولكنه في ذات الوقت سيشعر بالفخار أمام نفسه انه انتصر للحق وأعطى درسا لمن حوله بالثبات على المبدأ وعدم الخوف أو التخاذل

وما أعظم أن تشارك بمعول في هدم طوبة في مملكة الشر

وسيأتي بعدك حتما من يقتفى أثرك ليكمل المسيرة وقد اكتسب شجاعة وقوة ممن قبله

يشعر بالفخار في قرارة نفسه أنه لم يضعف أو يتخاذل ليبقى المبدأ ولتستمر الحياة في طريقها الصحيح

ليظل قدوة لغيره ولمن وراءه

فالحياة موقف وان لم يكن ذلك الموقف متمشيا مع منهج الحق ومنهاج الله لفسدت الحياة ولعادت القهقرى إلى عصور الظلم والظلام.



وما أيسر أن تسقط كل ممالك الظلم.. بعد سقوط أول لبنة في البناء

المهم البداية مع الثبات على المبدأ حتى لو كان هناك ضحايا ـ ولابد أن يكون ـ لترى بعد فترة من الزمن تلك الصروح وقد تهدمت وصارت أثرا بعد عين لتفسح الطريق لضوء الشمس أن يخترق حجب الظلام ..

( انتهى )